الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد **
الجزء الأول بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، وعليه نتوكل
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: كتاب التوحيد. لم يذكر في النسخ التي بأيدينا خطبة للكتاب من المؤلف، فإما أن تكون سقطت من النساخ وإما أن يكون المؤلف اكتفى بالترجمة لأنها عنوان على موضوع الكتاب وهو التوحيد، وقد ذكر المؤلف في هذه الترجمة عدة آيات. والكتاب بمعنى: مكتوب أي مكتوب بالقلم، أو بمعنى مجموع من قولهم: كتيبة وهي المجموعة من الخيل. والتوحيد في اللغة: مشتق من وحد الشيء إذا جعله واحدًا، فهو مصدر وحد يوحد، أي: جعل الشيء واحدًا. وفي الشرع: إفراد الله - سبحانه - بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. * أقسامه: ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: 1- توحيد الربوبية. 2- توحيد الألوهية. 3- توحيد الأسماء والصفات. وقد اجتمعت في قوله تعالى: * القسم الأول : توحيد الربوبية: هو إفراد الله - عز وجل - بالخلق، والملك، والتدبير. فإفراده بالخلق: أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال تعالى: أما ما ورد من إثبات خلق غير الله؛ كقوله تعالى: فهذا ليس خلقًا حقيقة، وليس إيجادًا بعد عدم، بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال، وأيضًا ليس شاملًا، بل محصور بما يتمكن الإنسان منه، ومحصور بدائرة ضيقة؛ فلا ينافي قولنا: إفراد الله بالخلق. وأما إفراد الله بالملك: فأن نعتقد أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم؛ كما قال تعالى: وأما ما ورد من إثبات الملكية لغير الله؛ كقوله تعالى: وأما إفراد الله بالتدبير: فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده؛ كما قال تعالى: وأما تدبير الإنسان؛ فمحصور بما تحت يده، ومحصور بما أذن له فيه شرعًا. وهذا القسم من التوحيد لم يعارض فيه المشركون الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كانوا مقرين به، قال تعالى: فلم يجحد أحد توحيد الربوبية، لا على سبيل التعطيل ولا على سبيل التشريك، إلا ما حصل من فرعون؛ فإنه أنكره على سبيل التعطيل مكابرة؛ فإنه عطل الله من ربوبيته وأنكر وجوده، قال تعالى حكاية عنه: وأنكر توحيد الربوبية على سبيل التشريك المجوس، حيث قالوا: إن للعالم خالقين هما الظلمة والنور، ومع ذلك لم يجعلوا هذين الخالقين متساويين، فهم يقولون: إن النور خير من الظلمة؛ لأنه يخلق الخير، والظلمة تخلق الشر، والذي يخلق الخير خير من الذي يخلق الشر. وأيضًا؛ فإن الظلمة عدم لا يضيء، والنور وجود يضيء؛ فهو أكمل في ذاته. ويقولون أيضًا بفرق ثالث، وهو: أن النور قديم على اصطلاح الفلاسفة، واختلفوا في الظلمة، هل هي قديمة، أو محدثة؟ على قولين. دلالة العقل على أن الخالق للعالم واحد: قال الله تعالى: وحينئذ إذا أرادا السلطان؛ فإما أن يعجز كل واحد منهما عن الآخر، أو يسيطر أحدهما على الآخر؛ فإن سيطر أحدهما على الآخر ثبتت الربوبية له، وإن عجز كل منهما عن الآخر زالت الربوبية منهما جميعًا؛ لأن العاجز لا يصلح أن يكون ربًّا. القسم الثاني: توحيد الألوهية: ويقال له: توحيد العبادة باعتبارين؛ فاعتبار إضافته إلى الله يسمى: توحيد الألوهية، وباعتبار إضافته إلى الخلق يسمى توحيد العبادة. وهو إفراد الله - عز وجل - بالعبادة. فالمستحق للعبادة هو الله تعالى، قال تعالى: والعبادة تطلق على شيئين: الأول: التعبد: بمعنى التذلل لله - عز وجل - بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ محبة وتعظيمًا. الثاني: المتعبد به؛ فمعناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: )اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة(. مثال ذلك: الصلاة؛ ففعلها عبادة، وهو التعبد، ونفس الصلاة عبادة، وهو المتعبد به. فإفراد الله بهذا التوحيد: أن تكون عبدًا لله وحده تفرده بالتذلل؛ محبة وتعظيمًا، وتعبده بما شرع، قال تعالى: إذ من السفه أن تجعل المخلوق الحادث الآيل للفناء إلهًا تعبده؛ فهو في الحقيقة لن ينفعك لا بإيجاد ولا بإعداد ولا بإمداد، فمن السفه أن تأتي إلى قبر إنسان صار رميمًا تدعوه وتعبده، وهو بحاجة إلى دعائك، وأنت لست بحاجة إلى أن تدعوه؛ فهو لا يملك لنفسه نفعًا لا ضرًا؛ فكيف يملكه لغيره؟! وهذا القسم كفر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل عليهم الكتب، قال الله تعالى: ومع هذا؛ فأتباع الرسل قلة، قال عليه الصلاة والسلام: * تنبيه: من العجب أن أكثر المصنفين في علم التوحيد من المتأخرين يركزون على توحيد الربوبية، وكأنما يخاطبون أقوامًا ينكرون وجود الرب - وإن كان يوجد من ينكر الرب ـ لكن ما أكثر المسلمين الواقعين في شرك العبادة!!. ولهذا ينبغي أن يركز على هذا النوع من التوحيد حتى نخرج إليه هؤلاء المسلمين الذين يقولون بأنهم مسلمون، وهم مشركون، ولا يعلمون. القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله - عز وجل - بما له من الأسماء والصفات. وهذا يتضمن شيئين: الأول: الإثبات، وذلك بأن نثبت لله - عز وجل - جميع أسمائه وصفاته التي أثبتها لنفسه في كتابه أو سنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ. الثاني: نفى المماثلة، وذلك بأن لا نجعل لله مثيلًا في أسمائه وصفاته؛ كما قال تعالى: وهذا القسم من التوحيد هو الذي ضلت فيه بعض الأمة الإسلامية وانقسموا فيه إلى فرق كثيرة؛ فمنهم من سلك مسلك التعطيل، فعطل، ونفى الصفات زاعمًا أنه منزه لله، وقد ضل، لأن المنزه حقيقةً هو الذي ينفي عنه صفات النقص والعيب، وينزه كلامه من أن يكون تعمية وتضليلًا، فإذا قال: بأن الله ليس له سمع، ولا بصر، ولا علم، ولا قدرة، لم ينزه الله، بل وصمه بأعيب العيوب، ووصم كلامه بالتعمية والتضليل، لأن الله يكرر ذلك في كلامه ويثبته، [سميع بصير]، [عزيز حكيم]، [غفور رحيم]، فإذا أثبته في كلامه وهو خال منه؛ كان في غاية التعمية والتضليل والقدح في كلام الله - عز وجل ـ ومنهم من سلك مسلك التمثيل زاعمًا بأنه محقق لما وصف الله به نفسه، وقد ضلوا لأنهم لم يقدروا الله حق قدره؛ إذا وصموه بالعيب والنقص، لأنهم جعلوا الكامل من كل وجه كالناقص من كل وجه. وإذا كان اقتران تفضيل الكامل على الناقص يحط من قدره، كما قيل: فكيف بتمثيل الكامل بالناقص؟! هذا أعظم ما يكون جنايةً في حق الله - عز وجل ـ، وإن كان المعطوف أعظم جرمًا، لكن الكل لم يقدر الله حق قدره. فالواجب: أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم. فالتحريف في النصوص، والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل في الصفة، إلا أنه أخص من التكييف؛ فكل ممثل مكيف، ولا عكس، فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه الأمور الأربعة. ونعني بالتحريف هنا: التأويل الذي سلكه المحرفون لنصوص الصفات؛ لأنهم سموا أنفسهم أهل التأويل، لأجل تلطيف المسلك الذي سلكوه؛ لأن النفوس تنفرُ من كلمة تحريف، لكن هذا من باب زخرفة القول وتزيينه للناس، حتى لا ينفروا منه. وحقيقة تأويلهم: التحريف، وهو صرف اللفظ عن ظاهره؛ فنقول: هذا الصرف إن دل عليه دليل صحيح؛ فليس تأويلًا بالمعنى الذي تريدون، لكنه تفسير. وإن لم يدل عليه دليل؛ فهو تحريف، وتغيير للكلم عن مواضعه؛ فهؤلاء الذين ضلوا بهذه الطريقة، فصاروا يثبتون الصفات لكن بتحريف؛ قد ضلوا، وصاروا في طريق معاكس لطريق أهل السنة والجماعة. وعليه لا يمكن أن يوصفوا بأهل السنة والجماعة؛ لأن الإضافة تقتضي النسبة، فأهل السنة منتسبون للسنة؛ لأنهم متمسكون بها، وهؤلاء ليسوا متمسكين بالسنة فيما ذهبوا إليه من التحريف. وأيضًا الجماعة في الأصل: الاجتماع، وهم غير مجتمعين في آرائهم؛ ففي كتبهم التداخل، والتناقض، والاضطراب، حتى إن بعضهم يضلل بعضًا، ويتناقض هو بنفسه. وقد نقل شارع "الطحاوية" عن الغزالي - وهو ممن بلغ ذروة علم الكلام - كلامًا إذا قرأه الإنسان تبين له ما عليه أهل الكلام من الخطأ والزلل والخطل، وأنهم ليسوا على بينة من أمرهم. وقال الرازي وهو من رؤسائهم:
ثم قال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي عليلًا، ولا تروي غليلًا، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: فتجدهم حيارى مضطربين، ليسوا على يقين من أمرهم، وتجد من هداه الله الصراط المستقيم مطمئنًا منشرح الصدر، هادئ البال، يقرأ في كتاب الله وفي سنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات؛ فيثبت؛ إذ لا أحد أعلم من الله بالله، ولا أصدق خبرًا من خبر الله، ولا أصح بيانًا من بيان الله؛ كما قال تعالى: ولا يتجاوز الإنسان حده إلى التكييف أو التمثيل؛ لأنه إذا كان عاجزًا عن تصور نفسه التي بين جنبيه؛ فمن باب أولى أن يكون عاجزًا عن تصور حقائق ما وصف الله به نفسه، ولهذا يجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ "لِمَ" و"كيف" فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وكذا يمنع نفسه من التفكير بالكيفية. وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيرًا، وهذه حال السلف رحمهم الله، ولهذا لما جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله قال: يا أبا عبدالله! أما في عصرنا الحاضر؛ فنجد من يقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة، فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدنيا؛ لأن الليل يمشي على جميع الأرض؛ فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى المكان الآخر، وهذا لم يقله الصحابة رضوان الله عليهم، ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن؛ لبينه الله إما ابتداءً أو على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أو يقيض من يسأله عنه فيجاب، كما سأل الصحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أين كان الله قبل أن يخلق السماوات والأرض، فأجابهم [(1) فهذا السؤال العظيم يدل على أن كل ما يحتاج إليه الناس فإن الله يبينه بأحد الطرق الثلاثة. والجواب عن الإشكال في حديث النزول [(2) ">]: أن يقال: ما دام ثلث الليل الأخير في هذه الجهة باقيًا، فالنزول فيها محقق، وفي غيرها لا يكون نزول قبل ثلث الليل الأخير أو النصف، والله - عز وجل - ليس كمثله شيء، والحديث يدل على أن وقت النزول ينتهي بطلوع الفجر. وعلينا أن نستسلم، وأن نقول: سمعنًا، وأطعنا، واتبعنا، وآمنا؛ فهذه وظيفتنا لا نتجاوز القرآن والحديث. * * * وقول الله تعالى: * الآية الأولى قوله تعالى: قوله: {إلا ليعبدون} استثناء مفرغ من أعم الأحوال؛ أي: ما خلق الجن والإنس لأي شيء إلا للعبادة. واللام في قوله: {إلا ليعبدون} للتعليل، وهذا التعليل لبيان الحكمة من الخلق، وليس التعليل الملازم للمعلول؛ إذ لو كان كذلك للزم أن يكون الخلق كلهم عبادًا يتعبدون له، وليس الأمر كذلك، فهذه العلة غائية، وليست موجبة. فالعلة الغائية لبيان الغاية والمقصود من هذا الفعل، لكنها قد تقع، وقد لا تقع، مثل: بريت القلم لأكتب به؛ فقد تكتب، وقد لا تكتب. والعلة الموجبة معناها: أن المعلول مبني عليها؛ فلابد أن تقع، وتكون سابقة للمعلول، ولازمة له، مثل: انكسر الزجاج لشدة الحرة. قوله: {خلقت}، أي أوجدت، وهذا الإيجاد مسبوق بتقدير، وأصل الخلق التقدير. قال الشاعر. قوله: {الجن}: هم عالمُ غيبيُ مخفيُ عنا، ولهذا جاءت المادة من الجيم والنون، وهما يدلان على الخفاء والاستتار، ومنه: الجَنة، والجِنة، والجُنة. قوله: {الإنس} سموا بذلك، لأنهم لا يعيشون بدون إيناس، فهم يأنس بعضهم ببعض، ويتحرك بعضهم إلى بعض. قوله: {إلا ليعبدون} فُسِّر: إلا ليوحدون، وهذا حق، وفُسِّر: بمعنى يتذللون لي بالطاعة فِعلًا للمأمور، وتركًا للمحظور، ومن طاعته أن يوحد سبحانه وتعالى؛ فهذه هي الحكمة من خلق الجن والإنس. ولهذا أعطى الله البشر عقولًا، وأرسل إليهم رسلًا، وأنزل عليهم كتبًا، ولو كان الغرض من خلقهم كالغرض من خلق البهائم؛ لضاعت الحكمة من إرسال الرسل، وإنزال الكتب؛ لأنه في النهاية يكون كشجرة نبتت، ونمت، وتحطمت، ولهذا قال تعالى: وليست الحكمة من خلقهم نفع الله، ولهذا قال تعالى: وأما قوله تعالى: فهذا ليس إقراضًا لله سبحانه، بل هو غنيُّ عنه، لكنه سبحانه شبه معاملة عبده له بالقرض؛ لأنه لا بد من وفائه، فكأنه التزامُ من الله سبحانه أن يوفى العامل أجر عمله كما يوفي المقترض من أقرضه. * * * وقوله تعالى: [النحل: 36] * الآية الثانية قوله تعالى: قوله: {ولقد}: اللام موطئه لقسم مقدر، وقد: للتحقيق. وعليه؛ فالجملة مؤكدة بالقسم المقدر، واللام، وقد. قوله: {بعثنا}؛ أي: أخرجنا، وأرسلنا في كل أمة. والأمة هنا: الطائفة من الناس. وتطلق الأمة في القرآن على أربعة معانٍ: أ- الطائفة: كما في هذه الآية. ب- الإمام، ومنه قوله تعالى: ج- الملة: ومنه قوله تعالى: د- الزمن: ومنه قوله تعالى: فكل أمة بعث فيها رسول من عهد نوح إلى عهد نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ . * والحكمة من إرسال الرسل: أ- إقامة الحجة: قال تعالى: ب- الرحمة: لقوله تعالى: ج- بيان الطريق الموصل إلى الله تعالى، لأن الإنسان لا يعرف ما يجب لله على لوجه التفصيل إلا عن طريق الرسل. قوله: وقيل: إنها مصدرية على تقدير الباء؛ أي: بأن اعبدوا، والراجح الأول؛ لعدم التقرير. أي: تذللوا له بالعبادة، وسبق تعرف العبادة. قوله: {وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} أي: ابتعدوا عنه بأن تكونوا في جانب، وهو في جانب، والطاغوت: مشتق من الطغيان، وهو صفة مشبهة، والطغيان: مجاورة الحد؛ كما في قوله تعالى: وأجمع ما قيل في تعريفه هو ما ذكره ابن القيم رحمه الله بأنه: "ما تجاوز به العبد حده من متبوع، أو معبود، أو مطاع". ومراده من كان راضيًا بذلك، أو يقال: هو طاغوت باعتبار عابده، وتابعه، ومطيعه؛ لأنه تجاوز به حده حيث نَزَّله فوق منزلته التي جعلها الله له، فتكون عبادته لهذا المعبود، واتباعه لمتبوعه، وطاعته لمطاعه طغيانًا لمجاوزته الحد بذلك. فالمتبوع مثل: الكهان، والسحرة، وعلماء السوء. والمعبود مثل: الأصنام. والمطاع مثل: الأمراء الخارجين عن طاعة الله، فإذا اتخذهم الإنسان أربابًا يحل ما حرم الله من أجل تحليلهم له، ويحرم ما أحل الله من أجل تحريمهم له؛ فهؤلاء طواغيت، والفاعل تابع للطاغوت، قال تعالى: ودلالة الآية على التوحيد: أن الأصنام من الطواغيت التي تعبد من دون الله. والتوحيد لا يتم إلا بركنين، هما: 1- الإثبات. 2- النفي. إذ النفي المحض تعطيل محض، والإثبات المحض لا يمنع المشاركة. مثال ذلك: زيد قائم، يدل على ثبوت القيام لزيد، لكن لا يدل على انفراده به. ولم يقم أحد، هذا نفي محض. ولم يقم إلا زيد، هذا توحيد له بالقيام؛ لأنه اشتمل على إثبات ونفي. قوله: "الآية" أي: إلى آخر الآية، وتقرأ بالنصب؛ إما على أنها مفعول به لفعل محذوف تقديره أكمل الآية، أو أنها منصوب بنزع الخافض؛ أي: إلى آخر الآية. ووجه الاستشهاد بهذه الآية لكتاب التوحيد: أنها دالة على إجماع الرسل عليهم الصلاة والسلام على الدعوة إلى التوحيد، وأنهم أرسلوا به؛ لقوله تعالى: * * * وقوله تعالى: * الآية الثالثة قوله تعالى: قوله: {قضى} قضاء الله - عز وجل - ينقسم إلى قسمين: 1- قضاء شرعي. 2- قضاء كوني. فالقضاء الشرعي: يجوز وقوعه من المقضي عليه وعدمه، ولا يكون إلا فيما يحبه الله. مثال ذلك: هذه الآية: والقضاء الكوني: لابد من وقوعه، ويكون فيما أحبه الله، وفيما لا يحبه. مثال ذلك: قوله تعالى: قوله: قوله: {إلا إياه} ضمير نصب منفصل واجب الانفصال؛ لأن المتصل لا يقع بعد إلا، قال ابن مالك: * إشكال وجوابه: إذا قيل: ثبت أن الله قضى كونًا ما لا يحبه؛ فكيف يقضي الله ما لا يحبه؟ فالجواب: أن المحبوب قسمان: 1- محبوب لذاته. 2- محبوب لغيره. فالمحبوب لغيره قد يكون مكروهًا لذاته، ولكن يحب لما فيه من الحكمة والمصلحة؛ فيكون حينئذ محبوبًا من وجه، مكروهًا من وجه آخر. مثال ذلك: الفساد في الأرض من بني إسرائيل في حد ذاته مكروه إلى الله؛ لأن الله لا يحب الفساد، ولا المفسدين، ولكن للحكمة التي يتضمنها يكون بها محبوبًا إلى الله - عز وجل - من وجه آخر. ومن ذلك: القحط، والجدب، والمرض، والفقر؛ لأن الله رحيم لا يحب أن يؤذي عباده بشيء من ذلك، بل يريد بعباده اليسر، لكن يقدره للحكم المترتبة عليه؛ فيكون محبوبًا إلى الله من وجه، مكروهًا من وجه آخر. قال الله تعالى: فإن قيل: كيف يتصور أن يكون الشيء محبوبًا من وجه مكروهًا من وجه آخر؟ فيقال: هذا الإنسان المريض يعطى جرعة من الدواء مُرَّة كريهة الرائحة واللون، فيشربها، وهو يكرهها لما فيها من المرارة واللون والرائحة، ويحبها لما فيها من الشفاء، وكذا الطبيب يكوي المريض بالحديدة المحماة على النار، ويتألم منها؛ فهذا الألم مكروه له من وجه، محبوب له من وجه أخر. فإن قيل: لماذا لم يكن قوله: أجيب: بأنه لا يمكن؛ إذ لو كان قضاءً قدريًا لعبد الناس كلهم ربهم، لكنه قضاء شرعي قد يقع وقد لا يقع. والخطاب في الآية للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكن، لكنه قال: أجيب: إن الفائدة من ذلك: 1- التنبيه؛ إذ تنبيه المخاطب أمر مطلوب للمتكلم، وهذا حاصل هنا بتغيير الأسلوب. 2- أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ زعيم أمته، والخطاب الموجه إليه موجه لجميع الأمة. 3- الإشارة إلى أن ما خوطب به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو له ولأمته؛ إلا ما دلّ الدليل على أنه مختص به. 4- وفي هذه الآية خاصة الإشارة إلى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مربوب لا رب، عابد لا معبود؛ فهو داخل في قوله: {تعبدوا}، وكفى به شرفًا أن يكون عبدًا لله - عز وجل - ولهذا يصفه الله تعالى بالعبودية في أعلى مقاماته؛ فقال في مقام التحدي والدفاع عنه: * أقسام العبودية: تنقسم العبودية إلى ثلاثة أقسام: 1- عامة، وهي عبودية الربوبية، وهي لكل الخلق، قال تعالى: 2- عبودية خاصة، وهي عبودية الطاعة العامة، قال تعالى: 3- خاصّة الخاصّة، وهي عبودية الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى عن نوح: فهذه العبودية المضافة إلى الرسل خاصة الخاصة؛ لأنه لا يباري أحد هؤلاء الرسل في العبودية. قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي: قضى ربك أن نحسن بالوالدين إحسانا، والوالدان: يشمل الأم، والأب، ومن فوقهما، لكنه في الأم والأب أبلغ، وكلما قربا منك كانا أولى بالإحسان، والإحسان، بذل المعروف، وفي قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} بعد قوله: فإن قيل: فأين حق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ أجيب: بأن حق الله متضمن لحق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ لأن الله لا يعبد إلا بما شرع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وقوله: قوله: والشاهد في هذه الآية: قوله تعالى: * * * وقوله تعالى: * الآية الرابعة قوله تعالى: {ولا تشركوا} في مقابل "لا إله"؛ لأنها نفي. وقوله: {واعبدوا} في مقابل "إلا إله"؛ لأنها إثبات. وقوله: {شيئًا} نكرة في سياق النهي؛ فتعم كل شيء: لا نبيًا، ولا ملكًا، ولا وليًا، بل ولا أمرًا من أمور الدنيا؛ فلا تجعل الدنيا شريكًا مع الله، والإنسان إذا كان همه الدنيا كان عابدًا لها؛ كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} يقال فيها ما قيل في الآية السابقة (3) قوله: وذو القربى هم من يجتمعون بالشخص في الجد الرابع. واليتامى: جَمْعُ يتيم، وهو الذي مات أبوه، ولم يبلغ. والمساكين: هم الذين عدموا المال فأسكنهم الفقر. وابن السبيل: هو المسافر الذي انقطعت به النفقة. قوله: قوله: {وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ}، قيل: إنه الزوجة، وقيل: صاحبك في السفر، لأنه يكون إلى جنبك، ولكل منهما حق؛ فالآية صالحة لهما. قوله: قوله: المختال: في هيئته. والفخور: في قوله، والله لا يحب هذا ولا هذا. * * * وقوله تعالى: * الآية الخامسة إلى السابعة قوله تعالى: الخطاب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمره الله أن يقول للناس: {تعالوا}؛ أي أقبلوا، وهلموا، وأصله من العلو كأن المنادي يناديك أن تعلو إلى مكانه، فيقول: تعالى؛ أي: ارتفع إلي. وقوله: {أتل} بالجزم جوابًا للأمر في قوله: {تعالوا}. وقوله: وقال: {ربكم} ولم يقل: ما حرم الله؛ لأن الرب هنا أنسب، حيث إن الرب له مطلق التصرف في المربوب، والحكم عليه بما تقتضيه حكمته. قوله: {ألا تشركوا} أن: تفسيرية، تفسر قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، أي: وأتل عليكم الأمر بالإحسان إلى الوالدين. قوله: والأولاد في اللغة العربية: يشمل الذكر والأنثى، قال تعالى: قوله: {من إملاق}، الإملاق: الفقر، و {من} للسببية والتعليل؛ أي: بسبب الإملاق. قوله: وبدأ هنا برزق الوالدين؛ وفي سورة الإسراء بدأ برزق الأولاد، والحكمة في ذلك أنه قال هنا: {من إملاق}؛ فالإملاق حاصل، فبدأ بذكر الوالدين اللذين أملقا، وهناك قال: {خشية إملاق} [الإسراء: 31]؛ فهما غنيان، لكن يخشيان الفقر، فبدأ برزق الأولاد قبل رزق الوالدين. وتقييد النهي عن قتل الأولاد بخشية الإملاق بناءٍ على واقع المشركين غالبًا، فلا مفهوم له. قوله: قوله: وقيل: ما أظهرتموه، وما أسررتموه، فالإظهار: فعل الزنا - والعياذ بالله - مجاهرةً، والإبطان فعله سرًا. وقيل: ما عظم فحشه، وما كان دون ذلك؛ لأنّ الفواحش ليست على حد سواء، ولهذا جاء في الحديث: قوله: والحق: ما أثبته الشرع. والباطل: ما نفاه الشرع. فمن الحق الذي أثبته الشرع في قتل النفس المعصومة أن يزني المحصن فيرجم حتى يموت، أو يقتل مكافئه، أو يخرج على الجماعة، أو يقطع الطريق؛ فإنه يقتل، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وقال هناك: وقوله: قوله: {تعقلون}، العقل هنا: حسن التصرف، وأما في قوله تعالى: وفي هذا دليلٌ على أن هذه الأمور إذا التزم بها الإنسان؛ فهو عاقل رشيد، وإذا خالفها؛ فهو سفيه ليس بعاقل. وقد تضمنت هذه الآية خمس وصايا: الأولى : توحيد الله. الثانية : الإحسان بالوالدين. الثالثة : أن لا نقتل أولادنا. الرابعة: أن لا نقرب الفواحش. الخامسة : أن لا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. قوله: والحسن هنا يشمل: الحسن الدنيوي، والحسن الديني، فإذا لاح تصرفان أحدهما أكثر ربحًا وفيه ربًا، والآخر أقل ربحًا وهو أسلم من الربا؛ فنقدم الأخير؛ لأن الحسن الشرعي مقدم على الحسن الدنيوي المادي. قوله: أي: إذا بلغ أشده؛ فإننا ندفعه إليه بعد أن نختبره، وننظر في حسن تصرفه، ولا يجوز لنا أن نبقيه عندنا. ومعنى أشده: قوته العقلية والبدنية، والخطاب هنا لأولياء اليتامى أو للحاكم على قول بعض أهل العلم، وبلوغ الأشد يختلف، والمراد به هنا الأشد الذي يكون به التكليف، وهو تمام خمسة عشرة سنة، أو إنبات العانة أو الإنزال. قوله: وأوفوا الميزان: إذا وزنتم فيما يوزن؛ كاللحوم مثلًا. والأمر بالإيفاء شاملٌ لجميع ما تتعامل به مع غيرك؛ فيجب عليك أن توفي بالكيل والوزن وغيرهما في التعامل. قوله: {بالقسط}، أي: بالعدل، ولما كان قوله: {بالقسط} قد يشق بعض الأحيان؛ لأن الإنسان قد يفوته أن يوفي الكيل أو الوزن أحيانًا، أعقب ذلك بقوله: قوله: قوله: وقد أقسم أشرف الخلق، وسيد ولد آدم، وأعدل البشر، محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: ]. قوله: قوله: الأولى: أن لا نقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن. الثانية: أن نوفي الكيل والميزان بالقسط. الثالثة: أن نعدل إذا قلنا. الرابعة: أن نوفي بعهد الله. والآية الأولى فيها خمس وصايا. صار الجميع تسع وصايا. ثم قال عز وجل: والصراط يضاف إلى الله - عز وجل ـ، ويضاف إلى سالكه؛ ففي قوله تعالى: قوله: {مستقيمًا} هذه حال من "صراط"؛ أي: حال كونه مستقيمًا لا اعوجاج فيه فاتبعوه. قوله وتفرق: فعل مضارع منصوب بأن بعد فاء السببية، لكن حذفت منه تاء المضارعة، وأصلها: "تتفرق"، أي أنكم إذا اتبعتم السبل تفرقت بكم عن سبيله، وتشتت بكم الأهواء وبعدت. وهنا قال: {السبل}: جمع سبيل، وفي الطريق التي أضافها الله إلى نفسه قال: {سبيله} سبيل واحد؛ لأن سبيل الله - عز وجل - واحد، وأما ما عداه؛ فسبل متعددة، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدة) [مسند الإمام أحمد (2/332)، (3/145)، (4/120)، وسنن أبي داود (4596)، والترمذي (2640)، وابن ماجة(3991)، والحاكم وصححه (1/128). ]؛ فالسبيل المنجي واحد، والباقية متشعبة متفرقة، ولا يرد على هذا قوله تعالى: وقوله: * * * قال ابن مسعود: (من أراد أن ينظر إلى وصية محمد ـ صل الله عليه وسلم ـ التي عليها خاتمة؛ فليقرأ قوله تعالى: ]. * قوله: قال ابن مسعود: (من أراد...) إلخ. الاستفهام هنا للحث والتشويق، واللام في قوله: "فليقرأ" للإرشاد. قوله: "وصية محمد"، الوصية بمعنى العهد، ولا يكون العهد وصية إلا إذا كان في أمر هام. وقوله: (محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ)، أي: رسول الله محمد بن عبدالله الهاشمي القرشي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا التعبير من ابن مسعود يدل على جواز مثله، مثل: قال محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووصية محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا ينافي قوله تعالى: قوله: (التي عليها خاتمه)، الخاتم بمعنى التوقيع. وقوله: فلا يظنّ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوصى بهذه الآيات وصية خاصة مكتوبة، لكن ابن مسعود رضي الله عنه يرى أن هذه الآيات قد شملت الدين كلّه؛ فكأنها الوصية التي ختم عليها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبقاها لأمته. وهي آيات عظيمة، إذا تدبرها الإنسان وعمل بها؛ حصلت له الأوصاف الثلاثة الكاملة: العقل، والتذكر، والتقوى. وقوله: "فليقرأ قوله تعالى..." إلخ الآيات سبق الكلام عليها. * * * وعن معاذ بن جبل قوله: "رديف" بمعنى رادف؛ أي: راكب معه خلفه؛ فهو فعيل بمعنى فاعل، مثل: رحيم بمعنى راحم، وسميع بمعنى سامع. قوله: "على حمار"، أي: أهلي؛ لأن الوحشي لا يركب. قوله: "أتدري"، أي : أتعلم. قوله: "ما حق الله على العباد؟"، أي: ما أوجبه عليهم، وما يجب أن يعاملوه به، وألقاه على معاذ بصيغة السؤال؛ ليكون أشد حضورًا لقلبه حتى يفهم ما يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ . قوله: (وما حق العباد على الله؟)، أي: ما يجب أن يعاملهم به، والعباد لم يوجبوا شيئًا، بل الله أوجبه على نفسه فضلًا منه على عباده، قال تعالى: فأوجب سبحانه على نفسه أن يرحم من عمل سوءًا بجهالة؛ أي: بسفه وعدم حسن تصرف ثم تاب من بعد ذلك وأصلح. ومعنى كتب؛ أي: أوجب. قوله: (قلت: الله ورسوله أعلم)، لفظ الجلالة الله: مبتدأ، و"رسوله": معطوف عليه، وأعلم: خبر المبتدأ، وأفرد الخبر هنا مع أنه لاثنين؛ لأنه على تقدير: "مِنْ"، واسم التفضيل إذا كان على تقدير: "مِنْ"؛ فإن الأشهر فيه الإفراد والتذكير. والمعنى: أعلم من غيرهما، وأعلم مني أيضًا. قوله: "يعبدوه"، أي: يتذللوا له بالطاعة. قوله: {ولا يشركوا به شيئًا}، أي: في عبادته وما يختص به، وشيئًا نكرة في سياق النفي؛ فتعم كل شيء لا رسولًا ولا ملكًا ولا وليًا ولا غيرهم. * * * وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا". قلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: وقوله: (وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا)، وهذا الحق تفضل الله به على عباده، ولم يوجبه عليه أحد، ولا تظن أن قوله: (من لا يشرك به شيئًا) أنه مجرد عن العبادة؛ لأن التقدير: من يعبده ولا يشرك به شيئًا، ولم يذكر قوله: "من يعبده"؛ لأنه مفهوم من قوله: "وحق العباد"، ومن كان وصفه العبودية؛ فلابد أن يكون عابدًا. ومن لم يعبد الله ولم يشرك به شيئًا؛ هل يعذب؟ الجواب: نعم، يعذب؛ لأن الكلام فيه حذف، وتقديره: من يعبده ولا يشرك به شيئًا، ويدل لهذا أمران: الأول: قوله: "حق العباد"، ومن كان وصفه العبودية؛ فلابد أن يكون عابدًا. الثاني: أن هذا في مقابل قوله فيما تقدم: (أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا)؛ فعلم أن المراد بقوله: "لا يشركوا به شيئًا"؛ أي: في العبادة. قوله: (أفلا أبشر الناس)، أي: أأسكت فلا أبشر الناس؟ ومثل هذا التركيب: الهمزة ثم حرف العطف ثم الجملة لعلماء النحو فيه قولان: الأول: أنّ بين الهمزة وحرف العطف محذوفًا يقدر بما يناسب المقام، وتقديره هنا: أأسكت فلا أبشر الناس؟. الثاني: أنه لا شيء محذوف، لكن هنا تقديم وتأخير، وتقديره: فألا أبشر؟ فالجملة معطوفة على ما سبق، وموضع الفاء سابق على الهمزة؛ فالأصل: فألا أبشر الناس؟ لكن لما كان مثل هذا التركيب ركيكًا، وهمزة الاستفهام لها الصدارة؛ قدمت على حرف العطف، ومثل ذلك قوله تعالى: والبشارة: هي الإخبار بما يسر. وقد تستعمل في الإخبار بما يضر، ومنه قوله تعالى: قوله: (لا تبشرهم)، أي: لا تخبرهم، ولا ناهية. ومعنى الحديث أن الله لا يعذب من لا يشرك به شيئًا، وأن المعاصي تكون مغفورة بتحقيق التوحيد، ونهى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن إخبارهم؛ لئلا يعتمدوا على هذه البشرى دون تحقيق مقتضاها؛ لأن تحقيق التوحيد يستلزم اجتناب المعاصي؛ لأن المعاصي صادرة عن الهوى، وهذا نوع من الشرك، قال تعالى: ومناسبة الحديث للترجمة: فضيلة التوحيد، وأنه مانع من عذاب الله. * * * * فيه مسائل: الأولى: الحكمة من خلق الجن والإنس. الثانية: أن العبادة هي التوحيد، لأن الخصومة فيه. المسائل: * الأولى: الحكمة من خلق الجن والإنس، أخذها رحمه الله من قوله تعالى: الثانية: أن العبادة هي التوحيد، أي: أن العبادة مبنية على التوحيد؛ فكل عبادة لا توحيد فيها ليست بعباده، لاسيما أن بعض السلف فسروا قوله تعالى: {إلا ليعبدون}: إلا ليوحدون. وهذا مطابق تمامًا لما استنبطه المؤلف رحمه الله من أن العبادة هي التوحيد؛ فكل عبادة لا تبنى على التوحيد فهي باطلة، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري؛ تركته وشركه) [مسلم: كتاب الزهد/باب من أشرك في عمله غير الله.]. وقوله: (لأن الخصومة فيه)، أي: في التوحيد بين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقريش؛ فقريش يعبدون الله يطوفون له ويصلون، ولكن على غير الإخلاص والوجه الشرعي؛ فهي كالعدم لعدم الإتيان بالتوحيد، قال تعالى: * * * * الثالثة: أن من لم يأت به، لم يعبد الله، ففيه معنى قوله: * الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل. * الخامسة: أن الرسالة عمت كل أمة. * وقوله في الثالثة: ففيه معنى قوله: * الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل، أخذها رحمه الله تعالى من قوله تعالى: فالحكمة هي: الدعوة إلى عبادة الله وحده، واجتناب عبادة الطاغوت. * الخامسة: أن الرسالة عمت كل أمة، أخذها من قوله تعال: * * * السادسة: أن دين الأنبياء واحد. السابعة: المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلى بالكفر بالطاغوت؛ ففيه معنى قوله تعالى: * السادسة: أن دين الأنبياء واحد، أخذها من قوله تعالى: * السابعة: المسالة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت .ودليله قوله تعالى: {واجتنبوا الطاغوت}، فمن عبَدَ الله ولم يكفر بالطاغوت؛ فليس بموحد، ولهذا جعل المؤلف رحمه الله هذه المسألة كبيرة؛ لأن كثيرًا من المسلمين جهلها في زمانه وفي زماننا الآن. * تنبيه لا يجوز إطلاق الشرك أو الكفر أو اللعن على من فعل شيئًا من ذلك؛ لأن الحكم بذلك في هذه وغيرها له أسباب وله موانع؛ فلا نقول لمن أكل الربا: ملعون؛ لأنه قد يوجد مانع يمنع من حلول اللعنة عليه؛ كالجهل مثلًا، أو الشبهة، وما أشبه ذلك، وكذا الشرك لا نطلقه على من فعل شركًا؛ فقد تكون الحجة ما قامت عليه بسبب تفريط علمائهم، وكذا نقول: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه، ولكن لا نحكم بهذا لشخص معين، إذ إن الحكم المعلق على الأوصاف لا ينطبق على الأشخاص إلا بتحقق شروط انطباقه وانتفاء موانعه. فإذا رأينا شخصًا يتبرز في الطريق؛ فهل نقول له: لعنك الله؟ الجواب: لا، إلا إذا أريد باللعن في قوله: (اتقوا الملاعن) [مسند الإمام أحمد 1/299، سنن أبي داود: كتاب الطهارة/ باب المواضع التي نهى النبي ( عن البول فيها، وابن ماجة: كتاب الطهارة/ باب النهي عن الخلاء على قارعة الطريق، والحاكم - وقال: "صحيح"، ووافقه الذهبي ] أن الناس أنفسهم يلعنون هذا الشخص ويكرهونه، ويرونه مخلًا بالأدب مؤذيًا للمسلمين؛ فهذا شيء آخر. فدعاء القبر شرك، لكن لا يمكن أن نقول لشخص معين فعله: هذا مشرك؛ حتى نعرف قيام الحجة عليه، أو نقول: هذا مشرك باعتبار ظاهر حاله. * * * الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله. التاسعة: عظم شأن الثلاث آيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف، وفيها عشر مسائل، أولها النهي عن الشرك. * الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله. فكل ما عبد من دون الله، فهو طاغوت، وقد عرّفه ابن القيم: بأنه كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فالمعبود كالصنم، والمتبوع كالعالم، والمطاع كالأمير. * التاسعة: عظم شأن الثلاث آيات المحكمات في سورة الأنعام، المحكمات؛ أي: التي ليس فيها نسخ، أخذ ذلك من قول ابن مسعود رضي الله عنه. * * * العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها ثماني عشر مسألةً، بدأها الله بقوله تعالى: * العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء. وهي قوله تعالى: وقد نبهنا الله - سبحانه - على عظم شأن هذه المسائل بقوله تعالى: فبدأها الله بالنهي عن الشرك بقوله تعالى: وختمها بقوله: * * * الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها الله تعالى بقوله: * الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها بقوله تعالى: * الثانية عشرة :التنبيه على وصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند موته . وذلك من حديث ابن مسعود رضى الله عنه، ولكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يوص بها حقيقةً، بل أشار إلى أننا إذا تمسكنا بكتاب الله؛ فلن نضلّ بعده، ومن أعظم ما جاء به كتاب الله قوله تعالى: * الثالثة عشرة: معرفة حق الله علينا. وذلك بأن نعبده ولا نشرك به شيئًا. * * * الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه. الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة. السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة. * الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقّه. وذلك بأن لا يعذّب من لا يشرك به شيئًا، أما من أشرك؛ فإنه حقيقٌ أن يعذّب. * الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة. وذلك أن معاذًا أخبر بها تأثمًا، أي خروجًا من إثم الكتمان عند موته بعد أن مات كثيرٌ من الصحابة؛ وكأنه رضي الله عنه علم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يخشى أن يفتتن الناس بها ويتكلوا، ولم يرد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتمها مطلقًا؛ لأنه لو أراد ذلك لم يخبر بها معاذًا ولا غيره. * السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة. هذه ليست على إطلاقها؛ إذ إن كتمان العلم على سبيل الإطلاق لا يجوز لأنه ليس بمصلحة، ولهذا أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معاذًا ولم يكتم ذلك مطلقًا، وأما كتمان العلم في بعض الأحوال، أو عن بعض الأشخاص لا على سبيل الإطلاق؛ فجائزٌ للمصلحة؛ كما كتم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك عن بقية الصحابة خشية أن يتّكلوا عليه، وقال لمعاذ: (لا تبشّرهم فيتّكلوا). ونظير هذا الحديث قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي هريرة: (بشّر الناس أن من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه دخل الجنّة) (2) [مسلم: كتاب الإيمان/باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة] بل قد تقتضي المصلحة ترك العمل؛ وإن كان فيه مصلحة لرجحان مصلحة الترك، كما هم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يهدم الكعبة ويبنيها على قواعد إبراهيم، ولكن ترك ذلك خشية افتتان الناس، لأنهم حديثو عهد بكفرٍ [البخاري: كتاب العلم/ باب ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، ومسلم: كتاب الحج/باب نقض الكعبة]. * * * السابعة عشرة: استحباب بشارة المسلم بما يسرّه. الثامنة عشرة: الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله. * السابعة عشرة: استجاب بشارة المسلم بما يسره. لقوله: (أفلا أبشّر الناس؟)، وهذه من أحسن الفوائد. * الثامنة عشرة: الخوف من الاتّكال على سعة رحمة الله. وذلك لقوله: (لا تبشّرهم فيتكلوا)، لأن الاتّكال على رحمة الله يسبب مفسدة عظيمة هي الأمن من مكر الله. وكذلك القنوط من رحمة الله يبعد الإنسان من التوبة ويسبب اليأس من رحمة الله، ولهذا قال الإمام أحمد: (ينبغي أن يكون سائرًا إلى الله بين الخوف والرجاء؛ فأيهما غلب هلك صاحبه) فإذا غلب الرجاء أدى ذلك إلى الأمن من مكر الله، وإذا غلب الخوف أدى ذلك إلى القنوط من رحمة الله. وقال بعض العلماء: إن كان مريضًا غلّب جانب الرجاء، وإن كان صحيحًا غلّب جانب الخوف. وقال بعض العلماء: إذا نظر إلى رحمة الله وفضله غلّب جانب الرّجاء، وإذا نظر إلى فعله وعمله غلب جانب الخوف لتحصل التوبة. ويستدلون بقوله تعالى: وفي قوله: (أفلا أبشّر الناس؟) دليل على أن التبشير مطلوب فيما يسرّ من أمر الدين والدنيا، ولذلك بشّرت الملائكة إبراهيم، قال تعالى : وعليه، فلا ينبغي أن يدخل السوء على المسلم، ولهذا يروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لا يحدثني أحدٌ عن أحد بشيء، فإني أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصّدر) [مسند الإمام أحمد 1/396، وقال أحمد شاكر: إسناده حسن على الأقل. وسنن أبي داود: كتاب الأدب/باب في رفع الحديث من المجلس، - وسكت عنه -]. وهذا الحديث فيه ضعفٌ، لكن معناه صحيح؛ لأنه إذا ذكر عندك رجلٌ بسوءٍ؛ فسيكون في قلبك عليه شيءٌ ولو أحسن معاملتك، لكن إذا كنت تعامله وأنت لا تعلم عن سيئاته، ولا محذور في أن تتعامل معه؛ كان هذا طيبًا، وربما يقبل منك النصيحة أكثر، والنفوس ينفر بعضها من بعضٍ قبل الأجسام، وهذه مسائل دقيقةٌ تظهر للعاقل بالتأمّل. * * * التاسعة عشرة: قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم. * التاسعة عشرة: قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم، وذلك لإقرار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معاذًا لما قالها، ولم ينكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على معاذٍ، حيث عطف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الله بالواو، وأنكر على من قال: (ما شاء الله وشئت"، وقال: (أجعلتني لله ندًا؟! بل ما شاء الله وحده) [مسند الإمام أحمد (1/214)، وابن ماجة: كتاب الكفارات/باب النهي أن يقال: ما شاء الله وشئت، وقال أحمد شاكر، إسناده صحيح (1839).] فيُقال: إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنده من العلوم الشرعية ما ليس عند القائل، ولهذا لم ينكر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على معاذ. بخلاف العلوم الكونية القدرية؛ فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس عنده علم منها. فلو قيل: هل يحرم صوم العيدين؟ جاز أن نقول: الله ورسوله أعلم، ولهذا كان الصحابة إذا أشكلت عليهم المسائل ذهبوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيبينها لهم، ولو قيل: هل يتوقع نزول مطر في هذا الشهر؟ لم يجز أن نقول: الله ورسوله أعلم، لأنه من العلوم الكونية. * * * العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض. الحادية والعشرون: تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لركوب الحمار مع الإرداف عليه. الثانية والعشرون: جواز الأرداف على الدابة. * العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض. وذلك لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خص هذا العلم بمعاذ دون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. فيجوز أن نخصص بعض الناس بالعلم دون بعض، حيث أن بعض الناس لو أخبرته بشيء من العلم افتتن، قال ابن مسعود: (إنك لن تحدث قومًا بحدث لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) [رواه: مسلم: المقدمة/ باب النهي عن الحديث بكل ما سمع. ] (1)، وقال علي: (حدثوا الناس بما يعرفون) [البخاري: كتاب العلم/ باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا.]، فيحدث كل أحد حسب مقدرته وفهمه وعقله. * الحادية والعشرون: تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكروب الحمار مع الإرداف عليه. النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشرف الخلق جاهًا، ومع ذلك هو أشد الناس تواضعًا. حيث ركب الحمار وأردف عليه، وهذا في غاية التواضع؛ إذ إن عادة الكبراء عدم الإرداف، وركب ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحمار، ولو شاء لركب ما أراد، ولا منقصة في ذلك؛ إذ إن من توضع لله - عز وجل - رفعه. * الثانية والعشرون: جواز الإرداف على الدابة. وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أردف معاذًا، لكن يشترط للإرداف أن لا يشق على الدابة، فإن شق؛ لم يجز ذلك. * * * الثالثة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة. الرابعة والعشرون: فضيلة معاذ بن جبل. * الثالثة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة. حيث أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معاذًا، وجعلها من الأمور التي يبشر بها. * الرابعة والعشرون: فضيلة معاذ رضي الله عنه. وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خصه بهذا العلم، وأردفه معه على الحمار.
|